سورة الأنفال - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله عز وجل {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: قد سمعنا هذا منكم ولا نطيعكم.
والثاني: قد سمعنا قبل هذا مثله فماذا أغناكم.
{لَوْ نَشَآءَ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: مثل هذا في النظم والبيان معارضة له في الإعجاز.
والثاني: مثل هذا في الاحتجاج معارضة له في الاستدعاء إلى الكفر.
{إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} يعني أحاديث الأولين ويحتمل وجهين:
أحدهما: أنه قصص من مضى وأخبار من تقدم.
والثاني: أنه مأخوذ عمن تقدم وليس بوحي من الله تعالى.
وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، وقد قلته النبي صلى الله عليه وسلم صبراً في جملة ثلاثة من قريش: عقبه بن أبي معيط، والمطعم بن عدي، والنضر بن الحارث وكان أسير المقداد، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل النضر قال المقداد: أسيري يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمْ أَعِنِ المِقْدَادَ»، فقال: هذا أردت. وفيه أنزل الله تعالى الآية التي بعدها.
{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّْ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حَجَارَةً مِنَ السَّمَآءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وفي هذا القول وجهان:
أحدهما: أنهم قالوا ذلك عناداً للحق وبغضاً للرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنهم قالوا ذلك اعتقاداً أنه ليس بحق. وفيهم نزل قوله تعالى {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] وفيهم نزل قوله تعالى: {رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} [ص: 16]. قال عطاء: لقد نزلت في النضر بضع عشرة آية من كتاب الله تعالى.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه قال ذلك إكراماً لنبيه وتعظيماً لقدره أن يعذب قوماً هو بينهم. تعظيماً لحرمته.
والثاني: إرساله فيهم رحمة لهم ونعمة عليهم فلم يجز أن يعذبهم وهو فيهم حتى يستحقوا سلب النعمة بإخراجه عنهم.
{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: وما كان الله ليعذب مشركي أهل مكة وقد بقي فيهم من المسلمين قوم يستغفرون وهذا قول الضحاك وأبي مالك وعطية.
والثاني: لا يعذبهم في الدنيا وهم يستغفرون فيها فيقولون: غفرانك.
قال ابن عباس: كان المشركون بمكة يطوفون بالبيت ويقولون: لبيك لبيك لا شريك لك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَدْ» فيقولون: إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، ويقولون غفرانك، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قاله أبو موسى ويزيد بن رومان ومحمد بن قيس.
والثالث: أن الاستغفار في هذا الموضع الإسلام، ومعنى الكلام: وما كان الله معذبهم وهم يسلمون، قاله عكرمة ومجاهد.
والرابع: وما كان الله معذب من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام، قاله ابن عباس.
والخامس: معناه أنهم لو استغفروا لم يعذبوا استدعاء لهم إلى الاستغفار، قاله قتادة والسدي وابن زيد.
والسادس: وما كان الله معذبهم أي مهلكهم وقد علم أن لهم أولاد وذرية يؤمنون ويستغفرون.


قوله عز وجل {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ البَيتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} في المكاء قولان:
أحدهما: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم، قاله مجاهد.
والثاني: هو أن يشبك بين أصابعه ويصفر في كفه بفيه فيكون المكاء هو الصفير، ومنه قول عنترة:
وحليل غنيةٍ تركت مُجدّلا *** تمكو فريصته بشدق الأعلم
أي تصفر بالريح لما طعنته.
وأما التصدية ففيها خمسة أقاويل:
أحدهما: أنه التصفيق، قاله ابن عباس وابن عمر والحسن ومجاهد وقتادة والسدي ومنه قول عمرو بن الإطنابة:
وظلواْ جميعاً لهم ضجة *** مكاء لدى البيت بالتصدية
والثاني: أنه الصد عن البيت الحرام، قاله سعيد بن جبير وابن زيد.
والثالث: أن يتصدى بعضهم لبعض ليفعل مثل فعله، ويصفر له إن غفل عنه، قاله بعض المتأخرين.
الرابع: أنها تفعلة من صد يصد، وهو الضجيج، قاله أبو عبيدة. ومنه قوله تعالى: {إِذَا قَومُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] أي يضجون.
الخامس: أنه الصدى الذي يجيب الصائح فيرد عليه مثل قوله، قاله ابن بحر.
فإن قيل: فلم سمَّى الله تعالى ما كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية صلاة وليس منها؟
قيل عن ذلك جوابان:
أحدهما: أنهم كانوا يقيمون التصفيق والصفير مقام الدعاء والتسبيح فجعلوا ذلك صلاة وإن لم يكن في حكم الشرع صلاة.
والثاني: أنهم كانوا يعملون كعمل الصلاة.
{فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُم تَكْفُرُونَ} فيه قولان:
أحدهما: عذاب السيف يوم بدر، قاله الحسن الضحاك وابن جريج وابن إسحاق.
والثاني: أنه يقال لهم في الآخرة {فَذُوقُواْ الْعَذَابَ} وفيه وجهان:
أحدهما: فالقوا.
الثاني: فجربوا.
وحكى مقاتل في نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام قام من كفار بني عبد الدار بن قصي رجلان عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم يصفران كما يصفر المكاء والمكاء طائر، ورجلان منهم عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا عليه صلاته وقراءته، فنزلت هذه الآية فيهم.


قوله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: أنها نفقة قريش في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، قاله الضحاك. والثاني: أنه أبو سفيان استأجر معه يوم أُحد ألفين من الأحابيش ومنه كنانة ليقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سوى من انحاز إليه من العرب، قاله سعيد ومجاهد والحكم بن عيينة، وفي ذلك يقول كعب بن مالك:
وجئنا إلى موج من البحر وسطه *** أحابيش منهم حاسرٌ ومقنع
ثلاثة آلافٍ ونحن نَصِيَّة *** ثلاثُ مئينٍ إن كثرنا فأربع
{فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسْرَةً} يحتمل وجهين:
أحدهما: يكون إنفاقها عليهم حسرة وأسفاً عليها.
والثاني: تكون خيبتهم فيما أملوه من الظفر عليهم حسرة تحذرهم بعدها.
{ثُمَّ يُغْلَبُونَ} وعد بالنصر فحقق وعده.
قوله عز وجل {لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} فيه وجهان:
أحدهما: الحلال من الحرام.
الثاني: الخبيث ما لم تخرج منه حقوق الله تعالى، والطيب: ما أخرجت منه حقوق الله تعالى.
يحتمل ثالثاً: أن الخبيث: ما أنفق في المعاصي، والطيب: ما أنفق في الطاعات.
{وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} أي يجمعه في الآخرة وإن تفرق في الدنيا {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً} أي يجعل بعضه فوق بعض، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} [النور: 43].
وفي قوله تعالى {فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ} وإن كانت الأموال لا تعذّب وجهان:
أحدهما: أن يجعلها عذاباً في النار يعذبون بها، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 35] الآية.
الثاني: أنه يجعل أموالهم معهم في جهنم لأنهم استطالوا بها وتقووا على معاصي الله فجعلها معهم في الذل والعذاب كما كانت لهم في الدنيا عزاً ونعيماً.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9